هل ستتسبب قوة الدولار الحالية في خلق اتجاه جديد للاسترليني دولار؟

15 مارس 2021 05:08 م

كان حديث الأسواق العالمية منذ أسبوعين فقط حول إمكانية تداول الجنيه الاسترليني عند مستويات مرتفعة مقابل الدولار الأمريكي، بل وكان هناك العديد من التوقعات التي ترى احتمالية عودة الاسترليني إلى مستويات ما قبل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية العام، فيما توقع البعض أنه قد يصل إلى مستويات 1.50. ولكن منذ ذلك الحين، تراجع الجنيه الاسترليني كثيرًا إلى مستويات 1.3780 قبل أن يستعيد بعضًا من قوته. ويبدو أن الارتفاعات الأخيرة في أواخر شهر فبراير تُشير إلى حالة من الإفراط في حماسه لارتفاع الاسترليني.

أثار هذا التراجع شكوك بأن النظرة المستقبلية للاسترليني لم تكن إيجابية بقدر ما كان يميل إليه مشتروا الجنيه الاسترليني، وأن التداعيات السلبية الناجمة عن تفشي فيروس كوفيد-19 والخروج نهائيًا من الاتحاد الأوروبي ستُهيمن على الاقتصاد البريطاني وبالتالي سيجعل الجنيه الاسترليني عرضه للانخفاض أكثر. لذا يبقى السؤال الأهم الآن، هل سينجح الاسترليني في الاحتفاظ بقوته الفترة المقبلة؟

وتبقى القضية الرئيسية الآن هي ما إذا كانت قوة الدولار الحالية تُمثل بداية اتجاه جديد أم مجرد صعود عابر، خاصة وأن ارتفاع عوائد السندات تسببت في ارتفاعات غير متوقعة للدولار الأمريكي.

ومع استمرار تحسن تطلعات النمو وتفاؤل الأسواق حيال الاقتصاد الأمريكي الفترة المقبلة، سيكون من السهل استنتاج استمرار ارتفاع العوائد في المستقبل مما سيدعم ارتفاع الدولار بلا شك. ومع ذلك، قد لا يكون هذا هو الحال بالضرورة، فبالرغم من أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدا متفائلًا حتى الآن بشأن التشديد المالي، وما إذا كان سيسمح بارتفاع العوائد بوتيرة كبيرة، وما زال يؤكد على أن التعافي الاقتصادي لا يزال هشًا وبحاجة للدعم.

فالعائدات المرتفعة قد تعرقل وتيرة التعافي الاقتصاد، مما يُلقي بظلاله على قطاع الإسكان الذي شهد معدلات تحسن ملحوظة، يهدد الانفاق الاستثماري، ويتسبب في بقاء معدلات البطالة عند مستوياتها المرتفعة، وسيؤدي لزيادة تكلفة خدمة الديون.

ووفقًا لذلك، من المحتمل أن تكون هناك نقطة تحول حيث سيتدخل البنك الاحتياطي الفيدرالي ويحاول استعادة السيطرة على منحنى العائد، لغرض صريح يتمثل في إبقاء العائدات منخفضة وبالتالي رؤية الدولار عند مستويات منخفضة ليدعم التعافي الاقتصادي.

الأمر الثاني الذي يتعلق بالقوة الفعلية لتعافي اقتصاد الولايات المتحدة، مما لا شك فيه أن الدلائل تشير إلى أن التوقعات تتحسن، نظرًا لإيجابية البيانات الاقتصادية في الآونة الأخيرة بعد ارتفاع مؤشرات مديري المشتريات، مبيعات التجزئة القوية، زيادة الثقة، وأخيرًا بيانات التوظيف لشهر فبراير دعمت ذلك.

ومع ذلك، يبدو أن الإيجابية التي جاءت من بيانات الوظائف تتجاهل حقيقة أن إجمالي الوظائف غير الزراعية لا يزال أقل من 9 ملايين من مستويات ما قبل الوباء، مع ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل على المدى الطويل بالفعل إلى 4.15 مليون، وهو أعلى مستوى منذ عام 2013.

ستُقلق هذه الرقام صناع السياسة حتى يتم إحراز تقدم، لن يكون الاحتياطي الفيدرالي قادر على تشديد السياسة النقدية خاصة مع وجهة نظرهم بأن سوق العمل سيكون كمثبط طبيعي للتضخم.

أخيرًا، لدى بايدن خطط إنفاق كبيرة مع حزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار، حيث أن تلك الحزمة تمثل ما يقُرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الأمريكية وستتبب في زيادة الدين المقدر حاليًا بحوالي 28 تريليون دولار، والذي يرتفع بصورة سريعة، حتى الآن يبلغ 130% من الناتج المحلي الإجمالي في الوقت الذي تستمر الثقة في الدولار الأمريكي.

ولكن في مرحلة ما قد تتضاءل هذا الثقة مما قد يؤول بتراجع هيمنة الدولار الأمريكي. يجدر الإشارة إلى أن ارتفاع مستويات الديون بنسبة 160% من الناتج المحلي الإجمالي كان كافيًا لإشعال الأزمة المالية اليونانية في 2009.

على الجانب الآخر، يُشير ضعف الجنيه الاسترليني إلى تدهور التوقعات الاقتصادية، إلا أن الأسواق متفائلة حيال تعافي الاقتصاد الفترة المقبلة خاصة مع المضي قدمًا في اللقاحات ضد فيروس كورونا، مما قد يسمح بتخفيف قيود الإغلاق، وانعكاس توقعات الأسواق بالنسبة لأسعار الفائدة، وتبدد حالة عدم اليقين حيال الاقتصاد بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويأتي هذا في الوقت الذي وضعت فيه الحكومة خططًا لتقليل حجم الاقتراض العام، مما يعكس أن المرحلة الأسوأ من تداعيات تفشي الجائحة على الاقتصاد قد ولت، وبشكل عام الصورة إيجابية.

وبالتالي يمكننا استنتاج أن خسائر الجنيه الاسترليني تعود إلى ارتفاع الدولار الأمريكي، حيث يستجيب الدولار بسرعة كبيرة للانتعاش الاقتصادي. في المقابل، يتعافى الجنيه الاسترليني بوتيرة أبطأ مع تحسن تطلعات نمو الاقتصاد البريطاني وأنه أصبح أكثر صلابة للمضي قدمًا، مما سيدعم ارتفاعه الفترة المقبلة مع استئناف اتجاهه الصعودي.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط